فضاء حر

تجارة العاطفة..!

يمنات

ماجد زايد

قبل مدة، إفتتح أحد الشباب -المتذاكيين- مصنعًا لتعليب الماء المعدني في صنعاء، وأعلن، عن نيته بتقديم الماء مجانًا لأعراس الفقراء وإحتفالات التخرج الطلابية، ولأن الأمر عاطفي جدًا، تفاعل معه المجتمع الفيسبوكي وروجوا له بطريقة لم يتوقعها هو أو غيره، هذا الشاب يملك أصدقاء مشاهير تجمعه بهم مصالح شللية وتبادل ترويج وتسويق، لهذا روجوا له وجعلوا منه مشهورًا فيسبوكيًا يحظى بعشرة الاف متابع، ومع التكرار والتضامن جعلوا منه الأحق والأوحد بالدعم والترويج المبني على أساس خيري عاطفي، ومع الأيام ذاع صيته، وزادت أرباحه، وكثر زبائنه المقبلين على الشراء منه بدافع الدعم الخيري الذي يقدمه للفقراء والطلاب..

وبعد أسابيع وأسابيع، خصوصًا بعد وصوله لحالة التشبع العام من زحمة النجاح التجاري وذروة المقبلين عليه للحصول على علب الماء المجاني، وهو التوقيت الزمني البعدي لحالة النجاح المبني على نوايا العاطفة المزيفة، حينها فقط صار إلتزامه الخيري بتقديم الماء عبئًا عليه وعلى نجاحه وشركاءه وتذاكيه، ومعه قرر الإنسحاب من الإلتزام الخيري والتخلي عن المصداقية بشكل عاطفي أكثر ذكاءً، يومها قرر الإعلان عن أن مصنعه لم يعد ملكًا له، وأنه تحول الى أحد أقرباءه، مما يعني مغادرته للمشروع وٱسقاطه للإلتزام الخيري أمام الجميع، ولأجل إضفاء وكسب حالة التصديق والتضامن الناتج عن المبرر، أعلن أنه لم يعد رجل أعمال، وأنه وقع في الإفلاس، لكنه لن ييأس وسيبدأ من الصفر مجددًا، طالبًا الدعم المتضامن معه ومع إرادته، وفي ذات التوقيت أعلن ووعد الجمهور بأنه سيفتتح مشروعه الجديد قريبًا، والى ذلك الحين سيتنازل وسيعمل في بيع القات بإحدى الصندقات العادية، ولأنه أصبح مفلسًا وصفريًا، تضامن معه الجمهور، وضربوا عنه أمثلة الإرادة والعزيمة وإصرار البدء مجددًا بعد الخسارة، مع أنه يملك من المال والأرباح ما يجعله يفتتح مشروعًا جديدًا لازال يبشر به جمهوره المتابع له، وصندقته البسيطة تلك صارت مشهورة بدعم ومساندة من الجمهور المتضامن معه كشاب مفلس ومتماسك ومتجدد..!!

هذا الشاب ضرب الف عصفور وعصفور بالتذاكي والتحايل على جمهور غبي وساذج، تخلى عن إلتزام أخلاقي بتضامن شعبوي كبير، وروج لصندقة تجارية بطريقة عاطفية ذكية ومتذاكية، وجعل الجمهور ينتظر مشروعه الجديد الناتج عن نجاحه في المشروع الأول، مشروعه المنتظر سيضرب به الجمهور أعظم الأمثلة في النجاح والإرادة والإصرار والبدء مجددًا عقب كل خسارة وهزيمة، لكنها لم تكن خسارة بقدر ما كانت فهمًا متقدمًا لحالة العاطفة الجمعية للجمهور اليمني وكيفية تحريكه بطريقة تضامنية وخيالات إستعارية، ليحدث النجاح التجاري، وهو الغرض والهدف الأوحد، هذه العاطفة تتحول بالإستغلال لتجارة ناجحة ومثمرة وغير خاسرة، كونها مدعومة من أعداد بشرية بالألاف، أعداد تجمعهم العاطفة وحب التضامن مع الشباب الناجحين والمثابرين، والمثابرة هنا ليست نجاحًا، بقدر ماهي خداع، بالإضافة الى الفعل الخيري والتجدد والبدء من حالة الصفر والخسارة والتنازل للعمل بداخل صندقة، جميعها حيلًا للترويج التجاري المادي بغرض مالي وشخصي وبطولة خلاصتها خداع وعدم إلتزام أخلاقي أمام الجمهور المسير كالقطيع..!

الأفعال التجارية الخيرية في السوشيال ميديا معظمها ترويج وإستغلال وتوجيه للمفسبك اليمني المتحرك بالمشاعر والتضامن، وهي حالة من إعادة توجيه المتابعين عاطفيًا للربح والربح والشهرة والمزيد من الشهرة، هذه الأفعال الموصومة بالخير ليست بدافع أخلاقي، هي مجرد تجارة، وتسويق وإستغلال وخداع، ومعظم النوايا الخيرية بريئة منها، النوايا والأعمال الخيرية والصادقة لها طرقها الخالصة والحقيقية، والصدق هنا بعيد كليًا عن السوشيال ميديا والتوزيعات المجانية أمام الجمهور المتعطش للتوجيه والتضامن والبكاء ومن ثم السعادة بالبطولات..

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520.

زر الذهاب إلى الأعلى